
أعوامٌ قد مرّتْ والجرحُ مُلتهِبُ
الروحُ تبكي الروحَ، والقلبُ مكتئبُ
الحزنُ يسكنني، والنّبضُ مُضطربُ
يا حبيبةَ القلبِ… فِراقُكِ اللّهبُ
ربّنا يرحمكِ رحمةً واسعة.
أمّي… الحكاية التي لا تُشبه سِواها
صحيح أن الجميع يرى أمّه لا مثيل لها،
لكن أمّي… حكاية مختلفة تمامًا.
لن أحدثكم عن صمود امرأة أنجبت ولدًا وأربع فتيات،
فأدبت، وعلّمت، وزوّجت، وواجهت الحياة بثبات.
بل سأحكي عن جانب آخر…
عن فتاة كانت تحمل في قلبها ألف حُلمٍ وحُلم،
وأطفأتها العادات والتقاليد العمياء قبل أن تُزهِر.
سأحكي عن امرأة لم تندب حظّها،
بل جعلت من حرمانها دافعًا لتكون سندًا لبناتها،
تغرس في كل واحدةٍ منّا ثائرةً ومثابِرة،
لتُحقق ما كان في زمانها مستحيلاً.
أمي كانت لنا الأمل حين اشتدّت علينا الأيام،
كانت الحضن حين ضاقت بنا الحياة،
علّمتنا كيف نبقى معًا دائمًا،
وإن اختلفنا، نعود أقرب مما كُنّا.
لقد منحتنا درسًا لا يُنسى في الصبر.
سبع سنوات من الألم بسبب المرض،
ومع ذلك، كانت تزداد حبًا للحياة كل يوم،
وابتسامتها تزداد بريقًا كلما اشتدّ الوجع.
وفي الأيام الأخيرة، حين شعرت باقتراب الرحيل،
حدثتني عن غسل الجنازة، وقالت لي بثبات:
“حين يموت شخصٌ قريبٌ منكِ، لا تخافي،
فهو جزء من روحكِ… لا تبكي، بل افعلي ما يجب فعله،
وهيئيه للقاء ربّه كما يليق.”
ظلّت كلماتها تلك محفورة في ذاكرتي،
وكانت في كل يوم توصيني بإخوتي،
أن نكون لبعضنا عونًا،
وألّا ندع للناس فرصة الشماتة بنا.
قالت لي يومًا:
“أعين الجميع ستكون عليكم… فاحذروا.”
ثم أتى ذلك اليوم…
كان صوت الأنين يملأ الغرفة،
اقتربت منها، همست:
“أمّي، هل تسمعينني؟”
رمشت بعينها… فهمت الرسالة.
قلت لها:
“أرجوكِ، لا تتركيني… لست أملك أحدًا سواكِ.”
دمعت عيناها… علمتُ أنها اللحظة.
لم أحتمل، خرجتُ حتى لا ترى دموعي.
وحين عدتُ… كانت قد غادرت.
أسرعنا بها إلى المستشفى،
كانت تستلقي على رجلي كما اعتادت في جلسات الغسيل،
أهمس بالشهادة في أذنها،
ثم أغمضتْ عينيها بهدوء…
لم أصدق، تحسستُ النبض في جسدها،
لا شيء… لكنني كذّبت إحساسي.
بدأ الأطباء الإنعاش… دون جدوى.
وحين رأيت الطبيب يقترب بتلك الكلمات الباردة…
سقطتُ مغشيًا عليّ.
وحين أفقت، جمعتُ شتات نفسي…
وانتهت الإجراءات.
رافقتها في العربة، كما فعلنا مئات المرات،
لكن هذه المرة… كانت الأخيرة.
رجعنا من المستشفى،
لكنّكِ لن تعودي معي يا أمّي.
لن نخرج كما اعتدنا،
لن تُحادثيني،
لن تقولي لي: “أنا مرهقة اليوم”.
يا الله… يا له من وجع.
مرّت ثلاث سنوات يا أمّي،
لكن ألم فراقكِ لم ينطفئ،
بل يزداد وجعًا يومًا بعد يوم.