
الشهادة السودانية، بجلالها وهيبتها وجمالها، تحمل قدسية التاريخ والتفاصيل.
غابت عن السودان لعامين بسبب الحرب التي يديرها الدعم السريع، بقيادة “أبو جهل” هذا الزمان، ذلك الذي كان له ثأر مع العلم والمتعلمين. فما إن تعافت بلادي قليلًا وأُعلن عن قيام الامتحانات، حتى أطَلَّ وجهه الحاقد، وأصبح طالب الشهادة مستهدفًا، ومراكز الامتحانات مستهدفة أيضًا، ليُحرم الآلاف من الجلوس للامتحانات.
ولم يقف الأمر عند ذلك، فقد أطَلَّ وجه السياسة البغيض في تشاد، تلك الدولة التي كنا نحن السودانيين أول من أسس المدارس فيها؛ إذ منعت طلابنا من الجلوس للامتحان، وسجلت بذلك سقطة أخلاقية في جبين التاريخ.
ورغم المعاناة وضيق الحال وتشتت الأذهان والجراح التي ما زالت تنزف، جلس أبناؤنا الأبطال للامتحانات. فكان قيام الامتحانات في حد ذاته نجاحًا. تابعنا تفاصيلها وكلنا فخر؛ فنحن كسودانيين تربطنا علاقة عشق بهذه الشهادة. فما إن يُعلَن عن بدايتها حتى تجد الأهالي يصطفون أمام أبواب المدارس انتظارًا لأبنائهم، وتتحول المنازل إلى غرفة طوارئ.
وما إن يأتي يوم إعلان النتيجة، تجتمع الأسر حول التلفاز للاستماع إلى المؤتمر، تتقدمه الأناشيد الوطنية التي تمهد للمشهد التاريخي. الكل يتابع، الكل يترقب، إنه حدث يجمعنا معًا، تراه في كل بيت. إنها الشهادة التي تعكس تاريخ العلم والتعلم في بلادنا. إنها شهادة الفخر لنا.
ومهما حاولوا أن يشككوا فيها أو يقللوا من شأنها، ستظل كما عهدناها: شهادة للتاريخ.
وفي هذا العام، أُضيف لها بُعد آخر: إنها شهادة التحدي… الشهادة السودانية.